فتح عاصمة الفرس المدائن
18 صفر 16هـ
مفكرة الاسلام: أثناء قيام الصحابة رضوان الله عليهم بحفر الخندق سنة 5 هـ اعترض طريقهم صخرة عظيمة لم تنل منها معاولهم، فنزل إليها الرسول ﷺ ثم ضربها بمعوله ثلاث ضربات هدتها هدًا، ومع كل ضربة كان يبشرهم ﷺ بفتح عظيم لثلاثة من أكبر مدن وممالك الأرض وقتها وهي: دمشق والمدائن وصنعاء، فكان الوعد الحق([1]) من النبي ﷺ للمسلمين، فسعوا لتحقيقه وجني ثماره.
بعد الانتصار العالمي الذي حققه المسلمون على الفرس بالقادسية في شعبان 14 هـ والذي أسفر عن تحطيم الآلة العسكرية الجرارة للفرس ومقتل كبار قادتهم أمثال «رستم» و«بهمن حاذويه»، أصبح الطريق مفتوحًا أمام المسلمين إلى المدائن، وبعد أن نال المسلمون قسطًا كافيًا من الراحة، صدرت الأوامر من الخليفة «عمر بن الخطاب» بالتحرك مباشرة نحو المدائن عاصمة الدولة الفارسية لفتحها وإسقاط هذه الدولة المجوسية للأبد، وذلك في أواخر شهر شوال 15هـ.
وصل المسلمون إلى مدينة «بهرسير» التي كانت بمثابة الحصن الأول وخط الدفاع المنيع للعاصمة المدائن، وضربوا عليها حصارًا شديدًا وقذفوها بالمجانيق، وحاول «يزدجرد» أن يطلب المصالحة مع المسلمين ولكن القائد سعد بن أبي وقاص رفض ذلك، فاستماتت حمية بهرسير في الدفاع عن المدينة، ولكن حدثت كرامة عظيمة أدت لفتح المدينة بمجرد كلمة واحدة قالها أحد المسلمين من حيث لا يدري، ذلك أن أحد المسلمين واسمه «أبو مفَرِّز الأسود بن قطبة» اقترب من الحصن، ودار بينه وين أحد الجنود الفرس هذا الحوار:
قال الفارسي: ما جاء بكم إلى مدينتنا وأرضنا؟ لا أشبع الله بطونكم.
قال أبو مفَرِّز: لا نرجع عنكم حتى نأكل أترج كوثى بعسل أفريدين.
فوقعت هذه الكلمة كالصاعقة على الفارسي وفر هو والحامية جميعًا وتركوا المدينة مفتوحة للمسلمين، فتعجب المسلمون وقالوا لأبي مفَرِّز: ما قلت لهم حتى يفروا كالمذعورين؟
قال أبو مفَرِّز: «لا أدري ما قلته ولعله أن يكون خيرًا قد أنطقني الله عز وجل به».
أما السر الحقيقي وراء ذعر الفرس من هذه الكلمة، أن المجاهد الصالح تكلم بسر من أسرار الأسرة المالكة بفارس واسم طعام خاص بهم وحدهم لا يعلمه عامة الفرس فضلاً عن أحد من العرب وهو: أترج كوثى وهو نوع فاخر جدًا من التمر، وعسل أفريدين وهو عسل نحل مخصوص يصنع للأكاسرة وحدهم، فظن الفرس أن الملائكة تحارب مع المسلمين وتتكلم على ألسنتهم ما لا يعلمون.
بعد أن فتح المسلمون مدينة «بهرسير» أصبح الطريق مفتوحًا نحو المدائن، فواصل المسلمون تقدمهم حتى لاح إليهم وسط الظلام وفي ضوء القمر الذي كان وقتها بدرًا قصر الأبيض حيث إيوان كسرى، فكبر المسلمون تكبيرًا مدويًا وقالوا: «إيوان كسرى، هذا ما وعد الله ورسوله».
وصل المسلمون إلى نهر «دجلة» وكانت المدائن على الضفة الأخرى للنهر الذي كان في وقت المد ومياهه شديدة الجريان ومرتفعة للغاية، وبعد مشاورات ومراجعات قرر القائد سعد عبور النهر بجيوشه ولكن واجهته مشكلة وجود حامية قوية للفرس تحمي شاطئ النهر، فانتدب سعد مجموعة من خلاصة أبطال المسلمين مكونة من ستمائة فارس، ثم انتخب من هؤلاء الستمائة ستين من أشجعهم وأقواهم حتى يكونوا رأس حربة، وعرفت هذه المجموعة في التاريخ باسم «كتيبة الأهوال».
اندفعت هذه الكتيبة الفدائية مخترقة مياه النهر الهادرة ثم التحمت مع الحرس الملكي الفارسي واستطاعت الانتصار عليه وفتحت بذلك المجال لباقي الجيش بالعبور، وعندها أمر القائد العام سعد بن أبي وقاص بعبور النهر، فعبر الجيش الذي يقدر بـ 26 ألف مقاتل النهر الهادر وهم على ظهور الخيل في أعجب عبور على مر التاريخ؛ كأن دجلة قد تحول لأرض يابسة، وكان كلما صادف المسلمون منطقة عميقة في النهر ظهرت لهم صخور يقفون عليها فلم يغرق جندي واحد ولا فقد شيء من متاعهم.
أصيب الفرس بالفزع والرعب الشديد من هول المفاجأة وظنوا أن الملائكة هي التي حملت المسلمين أثناء عبور النهر، ففروا جميعًا من المدينة يتقدمهم كسرى يزدجرد وفتح المسلمون المدينة في 18 صفر سنة 16هـ، وحملت الغنائم وفيها سوارا كسرى إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فلما رآه بكى بشدة ثم قال: أين سراقة بن مالك؟ فقال سراقة: «ها أنا ذا يا أمير المؤمنين»، فقال: «خذ سواري كسرى كما وعدك الرسول ﷺ، وصدق وعد رسول الله لك يا سراقة»([2]).
([1]) رواه أحمد رقم (18219)، والنسائي في الكبرى (5/269)، رقم (8858)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/397): "إسناده حسن".
([2]) انظر: سنن البيهقي الكبرى (6/357، 358)، والأم للشافعي (4/157)، والإصابة لابن حجر (3/41)
18 صفر 16هـ
مفكرة الاسلام: أثناء قيام الصحابة رضوان الله عليهم بحفر الخندق سنة 5 هـ اعترض طريقهم صخرة عظيمة لم تنل منها معاولهم، فنزل إليها الرسول ﷺ ثم ضربها بمعوله ثلاث ضربات هدتها هدًا، ومع كل ضربة كان يبشرهم ﷺ بفتح عظيم لثلاثة من أكبر مدن وممالك الأرض وقتها وهي: دمشق والمدائن وصنعاء، فكان الوعد الحق([1]) من النبي ﷺ للمسلمين، فسعوا لتحقيقه وجني ثماره.
بعد الانتصار العالمي الذي حققه المسلمون على الفرس بالقادسية في شعبان 14 هـ والذي أسفر عن تحطيم الآلة العسكرية الجرارة للفرس ومقتل كبار قادتهم أمثال «رستم» و«بهمن حاذويه»، أصبح الطريق مفتوحًا أمام المسلمين إلى المدائن، وبعد أن نال المسلمون قسطًا كافيًا من الراحة، صدرت الأوامر من الخليفة «عمر بن الخطاب» بالتحرك مباشرة نحو المدائن عاصمة الدولة الفارسية لفتحها وإسقاط هذه الدولة المجوسية للأبد، وذلك في أواخر شهر شوال 15هـ.
وصل المسلمون إلى مدينة «بهرسير» التي كانت بمثابة الحصن الأول وخط الدفاع المنيع للعاصمة المدائن، وضربوا عليها حصارًا شديدًا وقذفوها بالمجانيق، وحاول «يزدجرد» أن يطلب المصالحة مع المسلمين ولكن القائد سعد بن أبي وقاص رفض ذلك، فاستماتت حمية بهرسير في الدفاع عن المدينة، ولكن حدثت كرامة عظيمة أدت لفتح المدينة بمجرد كلمة واحدة قالها أحد المسلمين من حيث لا يدري، ذلك أن أحد المسلمين واسمه «أبو مفَرِّز الأسود بن قطبة» اقترب من الحصن، ودار بينه وين أحد الجنود الفرس هذا الحوار:
قال الفارسي: ما جاء بكم إلى مدينتنا وأرضنا؟ لا أشبع الله بطونكم.
قال أبو مفَرِّز: لا نرجع عنكم حتى نأكل أترج كوثى بعسل أفريدين.
فوقعت هذه الكلمة كالصاعقة على الفارسي وفر هو والحامية جميعًا وتركوا المدينة مفتوحة للمسلمين، فتعجب المسلمون وقالوا لأبي مفَرِّز: ما قلت لهم حتى يفروا كالمذعورين؟
قال أبو مفَرِّز: «لا أدري ما قلته ولعله أن يكون خيرًا قد أنطقني الله عز وجل به».
أما السر الحقيقي وراء ذعر الفرس من هذه الكلمة، أن المجاهد الصالح تكلم بسر من أسرار الأسرة المالكة بفارس واسم طعام خاص بهم وحدهم لا يعلمه عامة الفرس فضلاً عن أحد من العرب وهو: أترج كوثى وهو نوع فاخر جدًا من التمر، وعسل أفريدين وهو عسل نحل مخصوص يصنع للأكاسرة وحدهم، فظن الفرس أن الملائكة تحارب مع المسلمين وتتكلم على ألسنتهم ما لا يعلمون.
بعد أن فتح المسلمون مدينة «بهرسير» أصبح الطريق مفتوحًا نحو المدائن، فواصل المسلمون تقدمهم حتى لاح إليهم وسط الظلام وفي ضوء القمر الذي كان وقتها بدرًا قصر الأبيض حيث إيوان كسرى، فكبر المسلمون تكبيرًا مدويًا وقالوا: «إيوان كسرى، هذا ما وعد الله ورسوله».
وصل المسلمون إلى نهر «دجلة» وكانت المدائن على الضفة الأخرى للنهر الذي كان في وقت المد ومياهه شديدة الجريان ومرتفعة للغاية، وبعد مشاورات ومراجعات قرر القائد سعد عبور النهر بجيوشه ولكن واجهته مشكلة وجود حامية قوية للفرس تحمي شاطئ النهر، فانتدب سعد مجموعة من خلاصة أبطال المسلمين مكونة من ستمائة فارس، ثم انتخب من هؤلاء الستمائة ستين من أشجعهم وأقواهم حتى يكونوا رأس حربة، وعرفت هذه المجموعة في التاريخ باسم «كتيبة الأهوال».
اندفعت هذه الكتيبة الفدائية مخترقة مياه النهر الهادرة ثم التحمت مع الحرس الملكي الفارسي واستطاعت الانتصار عليه وفتحت بذلك المجال لباقي الجيش بالعبور، وعندها أمر القائد العام سعد بن أبي وقاص بعبور النهر، فعبر الجيش الذي يقدر بـ 26 ألف مقاتل النهر الهادر وهم على ظهور الخيل في أعجب عبور على مر التاريخ؛ كأن دجلة قد تحول لأرض يابسة، وكان كلما صادف المسلمون منطقة عميقة في النهر ظهرت لهم صخور يقفون عليها فلم يغرق جندي واحد ولا فقد شيء من متاعهم.
أصيب الفرس بالفزع والرعب الشديد من هول المفاجأة وظنوا أن الملائكة هي التي حملت المسلمين أثناء عبور النهر، ففروا جميعًا من المدينة يتقدمهم كسرى يزدجرد وفتح المسلمون المدينة في 18 صفر سنة 16هـ، وحملت الغنائم وفيها سوارا كسرى إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فلما رآه بكى بشدة ثم قال: أين سراقة بن مالك؟ فقال سراقة: «ها أنا ذا يا أمير المؤمنين»، فقال: «خذ سواري كسرى كما وعدك الرسول ﷺ، وصدق وعد رسول الله لك يا سراقة»([2]).
([1]) رواه أحمد رقم (18219)، والنسائي في الكبرى (5/269)، رقم (8858)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/397): "إسناده حسن".
([2]) انظر: سنن البيهقي الكبرى (6/357، 358)، والأم للشافعي (4/157)، والإصابة لابن حجر (3/41)