الدرس الثالث
مقتل امير المؤمنين عمربن الخطاب رضى الله عنه
23هـ : قام ( بابا علاء الدين ) كما تسميه الرافضة فهو رمز من رموزهم في الحرب ضد الإسلام ، واسمه أبو لؤلؤة المجوسي ، قام بقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
القصة الكاملة لاستشهاد أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -
فاجعة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب ررضى الله عنه
على الرغم من سياسة العدل والخوف من الله تعالى الذى اتسم به عمر - رضى الله عنه - فى تسيير شؤون الدولة الإسلامية ، إلا أن هذا لم يشفع الحاقدين والمغرضين الذين امتلأت قلوبهم حقداً وكرهاً على أمير المؤمنين عمر -رضى الله عنه- ؛ فلا ريب فى حقدهم ، فقد طمس بإيمانه العظيم بالله تعالى ، معالم الشرك فى البلاد المفتوحة ، وقضى على البدع والأهواء والزيغ و الفساد ، وأحل بدلاً من ذلك العدل والأمن والرخاء ، قال الهرمزان ملك الأهواز - قاتله الله - حينما قدم المدينة على عمر: (عدلت فأمنت فنمت) .
وكان ابن مسعود - رضى الله عنه - إذا ذكر عمر أخذ يبكى حتى يبتل الحصى من دموعه ، ثم يقول : (( إن عمر كان حصناً حصيناً للإسلام ، وما رأيت عمر قط إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده .. كان إسلامه فتحاً ، وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة )).
حقاً لقد أسس - رضى الله عنه - دولة إسلامية مترامية الأطراف ، أقام أركانها ووطد بنيانها ، وبسطها حتى بلغت بحر قزوين وجنوب آسيا الصغرى شمالاً ، وحدود ليبيا غرباً وأرض النوبة جنوباً وخراسان وسجستان شرقاً ، حكم عشرة أعوام ونحو نصف عام ، فيسر الله له أن تكون دولته أقوى دولة فى زمانه .
لذلك لم يكن مقتل عمر - رضى الله عنه - حادثا فرديا عابرا بل كان مؤامرة سياسية واسعة أشتركت فيها كل القوى المعادية للإسلام آنذاك ؛ ممثلة فى تلك الشخصيات التى ظهرت على مسرح الأحداث وتحدثت عنها الروايات التاريخية وبينت لنا أطراف الجريمة والمؤامرة .
حيث كان المتآمرون على قتله - رضى الله عنه - ثلاثة رؤوس رئيسة ، ورابع مختلف عليه:
1. الهرمزان : الفارسى المجوسى ، ملك الأهواز ومن كبار قادة الفرس فى حربهم ضد المسلمين فى معركة القادسية ، وقبلها وبعدها . وقد هزمه الله على أيدى المسلمين الفاتحين فى معركة تُستر ، وأُلقى القبض عليه وسيق أسيراً إلى المدينة ، فى سنة 17 هـ على الأرجح وبقى فيها بعد ما أخذ الأمان من الخليفة عمر -رضى الله عنه-.
2. أبو لؤلؤة فيروز : عبد للمغيرة بن شعبة - رضى الله عنه - ، أخذه من حروب الفرس وكان فارسياً مجوسياً ، وقع رقيقاً عبداً فى أحد حروب المسلمين للفرس ، ولما وزع العبيد الأرقاء على المجاهدين ، كان هو من نصيب المغيرة بن شعبة - رضى الله عنه -.
وقد ألح المغيرة بن شعبة على عمر - رضى الله عنه - فى أن يقيم أبو لؤلؤة فى المدينة لينتفع به المسلمون فهو حداد نجار نقاش صانع ، ويستفيد المغيرة من دخله وأمواله ، لأنه عبد له ! فأذن عمر بذلك .
3. جفينة : عبد رقيق نصرانى رومى ، كان من سبى الروم فى فتوح الشام ، وصار رقيقا من نصيب أحد المسلمين ، وأقام فى المدينة .
4. كعب الأحبار : وكان من يهود اليمن ، ومن أحبار اليهود هناك ، والعالمين بالتوراة وقد أسلم فى خلافة عمر -رضى الله عنه- ، وانتقل من اليمن إلى المدينة وأقام فيها ، وهذا الرابع مختلف عليه !
تآمر هؤلاء المغرضون على حياة عمر -رضى الله عنه- ، حيث أخبر كعب الأحبار عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه قد دنا أجله ، وقربت وفاته ، وزعم أن هذا مذكور فى التوراة! "1"
وقبل اغتيال عمر - رضى الله عنه - جاء أبو لؤلؤة فيروز الفارسى شاكياً سيده المغيرة بن شعبة ، وقد كان المغيرة يطلب منه أن يدفع له كل يوم أربعة دراهم ، مقابل الآلات الحديدية والطواحين التى يصنعها .
فاعتقد أبو لؤلؤة أنه مظلوم عند المغيرة ، وأن المغيرة يستغله ويظلمه ، ويأخذ منه مالاً كثيراً ! وهو أربعة دراهم فى اليوم !
قال أبو لؤلؤة لعمر : يا أمير المؤمنين ؛ إن المغيرة قد أثقل علىٌ ، ويأخذ منى مالاً كثيراً ، فكلمه ليخفف عنىِ !
قال له عمر : ماذا تحسن من الأعمال ؟
فذكر له الأعمال التى يعملها من حدادة ونجارة ونقش !
فقال له عمر : ماطلب المغيرة منك مالاً كثيراً ، فاتق الله ، وأحسن على مولاك .
وكان فى نية عمر ، أن يكلم المغيرة عندما يقابله ، ويطلب منه أن يخفف على أبى لؤلؤة ! فذهب أبو لؤلؤة غاضباً ، وهو يقول : إن عَدل عمر وسع الناس كلهم غيرى ، فلم يعدل معى !
وكان أبو لؤلؤة موتوراً حاقداً على عمر بالذات ، لنجاح المسلمين فى خلافته فى تحطيم الدولة الساسانية المجوسية ، وكان أبو لؤلؤة إذا رأى أطفال السبايا المجوس فى المدينة ، يمسح على رؤوسهم ويبكى ، ويقول : لقد أكل عمر كبدىِ !!!
وبعد المحاورة بينه وبين عمر أضمر قتله .
فصنع أبو لؤلؤة خنجراً له رأسان ، وكان حاداً ماضياً ، ونوى قتل عمر به .
ذهب أبو لؤلؤة إلى الهرمزان ، وأراه الخنجر ، وقال له : كيف ترى هذا ؟ قال الهرمزان : إنك لا تضرب أحداً بهذا الخنجر إلا قتله ! وكان عمر - رضى الله عنه - يسير يوماً فى المدينة مع مجموعة من الصحابة ، فلقى أبا لؤلؤة فى الطريق .
فقال له عمر : لقد سمعت أنك تقول لو أشاء لصنعتُ رحى (طاحونة) تطحن بالرى !
فأجابه أبو لؤلؤة بغضب وحقد وعبوس : لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس !!
فقال عمر للصحابة الذين معه : إن هذا العبد يهددنى ويتوعدنى !!
واجتمع ثلاثة من المتآمرين : الهرمزان وأبو لؤلؤة المجوسى وجفينة ، يتدارسون كيفية تنفيذ المؤامرة واغتيال عمر ، وكان مع أبى لؤلؤة الخنجر الذى أعده لجريمته .
وبينما كان الثلاثة مجتمعين ، مر بهم عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق -رضى الله عنهما ، فلما شاهدوه خافوا وفزعوا ، وكانوا جالسين على الأرض ، فهبوا واقفين فزعين ، فسقط من أبى لؤلؤة الخنجر الذى كان يحمله ، وهو الخنجر الذى طعن به عمر بعد ذلك !!
ونفذ أبو لؤلؤة مؤامرته ، وطعن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - بخنجره المسموم ذى الحدين ، فجر يوم الأربعاء 26 ذى الحجة سنة 23هـ .
قال أحد شهود الحادث العدوانى على الخليفة عمر ، وهو عمرو بن ميمون الأودىِ -رحمه الله- :
إنى لقائم (أى : فى الصف ينتظر صلاة الفجر) ما بينى وبينه إلا عبدالله بن عباس ، غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين ، قال : استوا ، فإذا استووا تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك فى الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر ، فسمعته يقول : قتلنى -أو أكلنى- الكلب ! حين طعنه ، فطال العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً ، مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنسا ، فلما ظن العلج أنه مأخوذ ، نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف قدمه - للصلاة بالناس - فمن يلى عمر ، فقد رأى الذى أرى ، وأما نواحى المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان الله ، فصلى بهم عبدالرحمن صلاة خفيفة ، فلما أنصرفوا قال عمر : يا ابن عباس ، انظر من قتلنى ؟ فجال ساعة ، ثم جاء فقال : غلام المغيرة ، قال : الصنع ، قال : نعم ، قال : قاتله الله لقد أمرت بن معروفا ، الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يدعى الإسلام ! ..
قال عمرو بن ميمون يكمل روايته للحادث : فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصيبهم مصيبة قبل يومئذ ، فأتي بنبيذ (ثمرة نبذت في ماء أي : نقعت فيه ، كانوا يفعلون ذلك لاستعذاب الماء) فشربه ، فجر من جوفه ، ثم أتىِ بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فعلموا أنه ميت ، فدخلنا عليه ، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه .. وقال : يا عبدالله ابن عمر ، انظر ماعلىٌ من الدَين .
فحسبوه فوجوده ستة وثمانين ألفا أو نحوه ، قال : إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل فى بنى عدى بن كعب ، فإن لم يتف أموالهم فسل فى قريش ، ولا تمدهم إلى غيرهم ، فأدٌ عنى هذا المال .
وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإنى لست اليوم للمؤمنين أميراً ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه .
فسلم عبدالله بن عمر واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكى ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريد لنفسى ، ولأوثرنه به اليوم على نفسى ، فلما أقبل قيل : هذا عبدالله بن عمر قد جاء ، قال : ارفعونى ، فأسنده رجل إليه فقال : مالديك ؟ قال : الذى تحب يا أمير المؤمنين ، آذنت ؟ قال : الحمد لله ، ماكان من شئء أهم إلى من ذلك . فإذا أنا قضيت فاحملنى ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب؛ فإن أذن فأدخلونى ، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين .
قال : فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشى ، عبدالله بن عمر قال : يستأذن عمر بن الخطاب ، قالت عائشة : أدخلوه فادخل ، فوضع هناك مع صاحبيه . "2"
المصادر :
"1" - الخلفاء الراشدون بين الاستخلاف والاستشهاد ، صالح الخالدىِ ص 82-84
"2" - فصل الخطاب فى سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، على الصلابى ، ص644 "نقلاً عن صحيح البخارى ، كتاب فضائل الصحابة رقم 2700 .
مقتل امير المؤمنين عمربن الخطاب رضى الله عنه
23هـ : قام ( بابا علاء الدين ) كما تسميه الرافضة فهو رمز من رموزهم في الحرب ضد الإسلام ، واسمه أبو لؤلؤة المجوسي ، قام بقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
القصة الكاملة لاستشهاد أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -
فاجعة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب ررضى الله عنه
على الرغم من سياسة العدل والخوف من الله تعالى الذى اتسم به عمر - رضى الله عنه - فى تسيير شؤون الدولة الإسلامية ، إلا أن هذا لم يشفع الحاقدين والمغرضين الذين امتلأت قلوبهم حقداً وكرهاً على أمير المؤمنين عمر -رضى الله عنه- ؛ فلا ريب فى حقدهم ، فقد طمس بإيمانه العظيم بالله تعالى ، معالم الشرك فى البلاد المفتوحة ، وقضى على البدع والأهواء والزيغ و الفساد ، وأحل بدلاً من ذلك العدل والأمن والرخاء ، قال الهرمزان ملك الأهواز - قاتله الله - حينما قدم المدينة على عمر: (عدلت فأمنت فنمت) .
وكان ابن مسعود - رضى الله عنه - إذا ذكر عمر أخذ يبكى حتى يبتل الحصى من دموعه ، ثم يقول : (( إن عمر كان حصناً حصيناً للإسلام ، وما رأيت عمر قط إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده .. كان إسلامه فتحاً ، وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته رحمة )).
حقاً لقد أسس - رضى الله عنه - دولة إسلامية مترامية الأطراف ، أقام أركانها ووطد بنيانها ، وبسطها حتى بلغت بحر قزوين وجنوب آسيا الصغرى شمالاً ، وحدود ليبيا غرباً وأرض النوبة جنوباً وخراسان وسجستان شرقاً ، حكم عشرة أعوام ونحو نصف عام ، فيسر الله له أن تكون دولته أقوى دولة فى زمانه .
لذلك لم يكن مقتل عمر - رضى الله عنه - حادثا فرديا عابرا بل كان مؤامرة سياسية واسعة أشتركت فيها كل القوى المعادية للإسلام آنذاك ؛ ممثلة فى تلك الشخصيات التى ظهرت على مسرح الأحداث وتحدثت عنها الروايات التاريخية وبينت لنا أطراف الجريمة والمؤامرة .
حيث كان المتآمرون على قتله - رضى الله عنه - ثلاثة رؤوس رئيسة ، ورابع مختلف عليه:
1. الهرمزان : الفارسى المجوسى ، ملك الأهواز ومن كبار قادة الفرس فى حربهم ضد المسلمين فى معركة القادسية ، وقبلها وبعدها . وقد هزمه الله على أيدى المسلمين الفاتحين فى معركة تُستر ، وأُلقى القبض عليه وسيق أسيراً إلى المدينة ، فى سنة 17 هـ على الأرجح وبقى فيها بعد ما أخذ الأمان من الخليفة عمر -رضى الله عنه-.
2. أبو لؤلؤة فيروز : عبد للمغيرة بن شعبة - رضى الله عنه - ، أخذه من حروب الفرس وكان فارسياً مجوسياً ، وقع رقيقاً عبداً فى أحد حروب المسلمين للفرس ، ولما وزع العبيد الأرقاء على المجاهدين ، كان هو من نصيب المغيرة بن شعبة - رضى الله عنه -.
وقد ألح المغيرة بن شعبة على عمر - رضى الله عنه - فى أن يقيم أبو لؤلؤة فى المدينة لينتفع به المسلمون فهو حداد نجار نقاش صانع ، ويستفيد المغيرة من دخله وأمواله ، لأنه عبد له ! فأذن عمر بذلك .
3. جفينة : عبد رقيق نصرانى رومى ، كان من سبى الروم فى فتوح الشام ، وصار رقيقا من نصيب أحد المسلمين ، وأقام فى المدينة .
4. كعب الأحبار : وكان من يهود اليمن ، ومن أحبار اليهود هناك ، والعالمين بالتوراة وقد أسلم فى خلافة عمر -رضى الله عنه- ، وانتقل من اليمن إلى المدينة وأقام فيها ، وهذا الرابع مختلف عليه !
تآمر هؤلاء المغرضون على حياة عمر -رضى الله عنه- ، حيث أخبر كعب الأحبار عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - أنه قد دنا أجله ، وقربت وفاته ، وزعم أن هذا مذكور فى التوراة! "1"
وقبل اغتيال عمر - رضى الله عنه - جاء أبو لؤلؤة فيروز الفارسى شاكياً سيده المغيرة بن شعبة ، وقد كان المغيرة يطلب منه أن يدفع له كل يوم أربعة دراهم ، مقابل الآلات الحديدية والطواحين التى يصنعها .
فاعتقد أبو لؤلؤة أنه مظلوم عند المغيرة ، وأن المغيرة يستغله ويظلمه ، ويأخذ منه مالاً كثيراً ! وهو أربعة دراهم فى اليوم !
قال أبو لؤلؤة لعمر : يا أمير المؤمنين ؛ إن المغيرة قد أثقل علىٌ ، ويأخذ منى مالاً كثيراً ، فكلمه ليخفف عنىِ !
قال له عمر : ماذا تحسن من الأعمال ؟
فذكر له الأعمال التى يعملها من حدادة ونجارة ونقش !
فقال له عمر : ماطلب المغيرة منك مالاً كثيراً ، فاتق الله ، وأحسن على مولاك .
وكان فى نية عمر ، أن يكلم المغيرة عندما يقابله ، ويطلب منه أن يخفف على أبى لؤلؤة ! فذهب أبو لؤلؤة غاضباً ، وهو يقول : إن عَدل عمر وسع الناس كلهم غيرى ، فلم يعدل معى !
وكان أبو لؤلؤة موتوراً حاقداً على عمر بالذات ، لنجاح المسلمين فى خلافته فى تحطيم الدولة الساسانية المجوسية ، وكان أبو لؤلؤة إذا رأى أطفال السبايا المجوس فى المدينة ، يمسح على رؤوسهم ويبكى ، ويقول : لقد أكل عمر كبدىِ !!!
وبعد المحاورة بينه وبين عمر أضمر قتله .
فصنع أبو لؤلؤة خنجراً له رأسان ، وكان حاداً ماضياً ، ونوى قتل عمر به .
ذهب أبو لؤلؤة إلى الهرمزان ، وأراه الخنجر ، وقال له : كيف ترى هذا ؟ قال الهرمزان : إنك لا تضرب أحداً بهذا الخنجر إلا قتله ! وكان عمر - رضى الله عنه - يسير يوماً فى المدينة مع مجموعة من الصحابة ، فلقى أبا لؤلؤة فى الطريق .
فقال له عمر : لقد سمعت أنك تقول لو أشاء لصنعتُ رحى (طاحونة) تطحن بالرى !
فأجابه أبو لؤلؤة بغضب وحقد وعبوس : لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس !!
فقال عمر للصحابة الذين معه : إن هذا العبد يهددنى ويتوعدنى !!
واجتمع ثلاثة من المتآمرين : الهرمزان وأبو لؤلؤة المجوسى وجفينة ، يتدارسون كيفية تنفيذ المؤامرة واغتيال عمر ، وكان مع أبى لؤلؤة الخنجر الذى أعده لجريمته .
وبينما كان الثلاثة مجتمعين ، مر بهم عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق -رضى الله عنهما ، فلما شاهدوه خافوا وفزعوا ، وكانوا جالسين على الأرض ، فهبوا واقفين فزعين ، فسقط من أبى لؤلؤة الخنجر الذى كان يحمله ، وهو الخنجر الذى طعن به عمر بعد ذلك !!
ونفذ أبو لؤلؤة مؤامرته ، وطعن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - بخنجره المسموم ذى الحدين ، فجر يوم الأربعاء 26 ذى الحجة سنة 23هـ .
قال أحد شهود الحادث العدوانى على الخليفة عمر ، وهو عمرو بن ميمون الأودىِ -رحمه الله- :
إنى لقائم (أى : فى الصف ينتظر صلاة الفجر) ما بينى وبينه إلا عبدالله بن عباس ، غداة أصيب ، وكان إذا مر بين الصفين ، قال : استوا ، فإذا استووا تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك فى الركعة الأولى ، حتى يجتمع الناس ، فما هو إلا أن كبر ، فسمعته يقول : قتلنى -أو أكلنى- الكلب ! حين طعنه ، فطال العلج بسكين ذات طرفين ، لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه ، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً ، مات منهم سبعة ، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنسا ، فلما ظن العلج أنه مأخوذ ، نحر نفسه ، وتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف قدمه - للصلاة بالناس - فمن يلى عمر ، فقد رأى الذى أرى ، وأما نواحى المسجد فإنهم لا يدرون ، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان الله ، فصلى بهم عبدالرحمن صلاة خفيفة ، فلما أنصرفوا قال عمر : يا ابن عباس ، انظر من قتلنى ؟ فجال ساعة ، ثم جاء فقال : غلام المغيرة ، قال : الصنع ، قال : نعم ، قال : قاتله الله لقد أمرت بن معروفا ، الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يدعى الإسلام ! ..
قال عمرو بن ميمون يكمل روايته للحادث : فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه ، وكأن الناس لم تصيبهم مصيبة قبل يومئذ ، فأتي بنبيذ (ثمرة نبذت في ماء أي : نقعت فيه ، كانوا يفعلون ذلك لاستعذاب الماء) فشربه ، فجر من جوفه ، ثم أتىِ بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فعلموا أنه ميت ، فدخلنا عليه ، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه .. وقال : يا عبدالله ابن عمر ، انظر ماعلىٌ من الدَين .
فحسبوه فوجوده ستة وثمانين ألفا أو نحوه ، قال : إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فسل فى بنى عدى بن كعب ، فإن لم يتف أموالهم فسل فى قريش ، ولا تمدهم إلى غيرهم ، فأدٌ عنى هذا المال .
وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإنى لست اليوم للمؤمنين أميراً ، وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يبقى مع صاحبيه .
فسلم عبدالله بن عمر واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكى ، فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريد لنفسى ، ولأوثرنه به اليوم على نفسى ، فلما أقبل قيل : هذا عبدالله بن عمر قد جاء ، قال : ارفعونى ، فأسنده رجل إليه فقال : مالديك ؟ قال : الذى تحب يا أمير المؤمنين ، آذنت ؟ قال : الحمد لله ، ماكان من شئء أهم إلى من ذلك . فإذا أنا قضيت فاحملنى ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب؛ فإن أذن فأدخلونى ، وإن ردتنى ردونى إلى مقابر المسلمين .
قال : فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشى ، عبدالله بن عمر قال : يستأذن عمر بن الخطاب ، قالت عائشة : أدخلوه فادخل ، فوضع هناك مع صاحبيه . "2"
المصادر :
"1" - الخلفاء الراشدون بين الاستخلاف والاستشهاد ، صالح الخالدىِ ص 82-84
"2" - فصل الخطاب فى سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، على الصلابى ، ص644 "نقلاً عن صحيح البخارى ، كتاب فضائل الصحابة رقم 2700 .